مقالات

العثمانية الجديدة وخريف العرب: قراءة في الدور التركي ودعم الحركات الإسلامية في الثورات العربية ..

صوت سورية

منذ انطلاقة شرارة العثمانية الجديدة وخريف العرب: قراءة في الدور التركي ودعم الحركات الإسلامية في الثورات العربية . الثورات العربية مطلع العام 2011، لعبت تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان دوراً محورياً في توجيه مسار هذه الثورات، لا سيما عبر دعم الحركات الإسلامية التي وجدت في النموذج التركي مثالاً يُحتذى، لم يكن الدعم التركي مجرد مواقف سياسية، بل تعدّى ذلك إلى تمويل، وإيواء، وتسليح، وحتى تبنٍّ إعلامي ودبلوماسي واسع، تحت راية ما يُسمّى بـ”العثمانية الجديدة”، أو الحلم بإعادة بسط النفوذ التركي على الدول العربية المنهكة تحت يافطة دعم الديمقراطية.

مصر والإخوان … سقوط مبكر لمشروع أردوغان

مثّل صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر، عقب الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، ذروة الحلم الأردوغاني بتوسيع نفوذ الإسلام السياسي في العالم العربي، دعم أردوغان الرئيس محمد مرسي علناً، وفتح له أبواب التعاون السياسي والاقتصادي، بل ورأى فيه امتداداً أيديولوجياً لمشروعه.

لكن المفارقة الكبرى جاءت سريعاً، فشل الإخوان في الحفاظ على السلطة لم يكن بسبب المؤامرات الخارجية بقدر ما كان نتيجة مباشرة لأخطاء كارثية داخلية، تصادمهم مع مؤسسات الدولة، وتجاهلهم للتوازنات السياسية، وإقصاؤهم للقوى الوطنية، عجّل بانقلاب المؤسسة العسكرية، التي لم تنهَر كما كان يأمل أردوغان، بل انحازت للشارع، وأسقطت حكم مرسي خلال عام واحد فقط، هكذا تلقى المشروع التركي ضربة موجعة في قلب القاهرة، فانهار الحلم قبل أن يشتد عوده.

سوريا: دعم الفصائل وتمزيق الدولة

أما في سوريا، فقد اختار أردوغان مساراً أكثر عدوانية وتدخلاً. منذ الأيام الأولى للثورة السورية، تحوّلت تركيا إلى بوابة عبور للمقاتلين، ومركز دعم للفصائل المعارضة، خاصة ذات التوجه الإسلامي، فتحت الحدود، وقدّمت الدعم السياسي والإعلامي، واستضافت قيادات المعارضة، وتدخلت في مسار التفاوض السوري عبر بوابة أستانا وسوتشي وغيرها.

إلا أن الدور التركي لم يكن نزيهاً أو مخلصاً لثورة الشعب السوري. بل اتّسم بالبراغماتية والانتهازية ، فبالتوازي مع دعمه للفصائل الإسلامية، ساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تمزيق البنية المؤسساتية للدولة السورية: ضرب الجيش، تفكيك أجهزة الأمن، تفريغ المدن، وتمكين كيانات متطرفة من الظهور.

وما بين هذا وذاك، كانت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) تُعد نفسها للمرحلة التالية ، بدعم تركي غير مباشر، أو عبر التغاضي، أو حتى التسهيل الاستخباراتي، وصلت الهيئة بقيادة أحمد الشرع إلى موقع السيطرة، مستفيدة من خيانات داخلية من ضباط ومسؤولين في النظام السوري بواسطة الأتراك ، فضّلوا الانسحاب أو بيع ولاءهم مقابل حماية وضمانات مالية.

وبينما كانت روسيا وإيران تظنان أن تركيا شريك في تثبيت الأسد، كانت أنقرة تعدّ المسرح لانهيار النظام عبر اتفاقات سرّية، وانقلابات ميدانية انتهت عملياً بإسقاط الدولة السورية، لا فقط النظام، وتمكين قوى الإسلام السياسي من إعادة إنتاج أنفسها في دمشق.

المفارقة: مؤسسات الدولة هي الفيصل

تكمن المفارقة في أن مشروع أردوغان سقط في مصر رغم الدعم التركي القوي، لأنه اصطدم بجدار صلب من الجيش والأمن، الذين لم يسمحوا بانهيار الدولة ، أما في سوريا، فبفضل هشاشة المؤسسة العسكرية، والانقسامات، والخيانة الداخلية، نجح الدعم التركي في تمزيق البلاد، وإنهاء النظام، وتمهيد الطريق لصعود تيارات لا تمثل تطلعات كافة الشعب السوري بقدر ما تمثل امتداداً لمشروع أنقرة.

النتائج والتكلفة

لم يكن للدعم التركي للحركات الإسلامية سوى نتائج كارثية على الدول العربية، فقد أدى إلى مزيد من الاستقطاب، وتغذية التطرف، وتدمير البنى الاجتماعية والسياسية، وخلق كيانات هجينة لا تمثل لا ثورة حقيقية ولا دولة قابلة للحياة. لقد تحوّل الدعم إلى وصاية، والثورات إلى أوراق ضغط في يد أنقرة تستخدمها لابتزاز العالم.

خلاصة

الدور التركي في دعم الحركات الإسلامية خلال الثورات العربية، وخاصة في مصر وسوريا، لم يكن بريئاً ولا إنسانياً، بل كان جزءاً من مشروع توسعي بوجه إسلامي، استغل لحظات الضعف العربي ليُعيد فرض نفوذ عثماني مموّه ، نجح في سوريا بسبب انهيار مؤسسات الدولة وفشل في مصر لصمود هذه المؤسسات، لكن المحصلة في الحالتين كانت واحدة: المزيد من الدم، والانقسام، والدمار.

يبقى على الشعوب العربية أن تدرك أن الحرية لا تأتي على ظهور المقاتلين المستوردين، ولا من وراء حدود مرسومة على طاولة الأتراك، بل من إرادة داخلية حقيقية تُعبّر عن مصالح الناس لا عن طموحات الآخرين.

ناصر الناصر 🖌️📃

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى