انذار سعودي أخير وخطير للبنان

محمد اليمني كاتب وباحث سياسي
هكذا ينتهي مسلسل الأزمات والتسويات . لبنان أمام مأزق وجودي اما أن يلتحق بالقافلة في اتجاه أورشليم , أو يزول كدولة أو ككيان . واذا كانت اسرائيل قد راهنت منذ قيامها على تفكيك لبنان , كنظام مركب , ومضاد للدولة ـ الغيتو , ترى دول عربية أن الدولة اللبنانية , بالصيغة الراهنة القائمة على التوازن بين الطوائف , لم تعد قابلة للحياة , بل هي على وشك الانفجار من الداخل , اذا ما أدركنا أي أصابع غليظة تعبث بالمسار التاريخي وحتى الانساني للشرق الأوسط .
لطالما أشرنا الى السيناريو الذي وضعه وزير عربي سابق (وكان الرئيس سعد الحريري ضحية معارضته له) حول تشكيل طائفة مركزية تدور حولها الطوائف الأخرى , بتوطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين , اذا ما تسنى لكم الاطلاع على قول المعارض السوري كمال اللبواني , وهو من مصيف الزبداني المتاخم للحدود اللبنانية , من أن عدد النازحين السوريين يفوق عدد أي طائفة في لبنان .
ولكن ماذا حين يتناهي الى أكثر من مرجعية سياسية , أو روحية , قول مسؤول عربي مؤثر على الساحة اللبنانية من أن لا مكان , وليس فقط لا دور , للطائفة الشيعية في الصيغة العتيدة للدولة اللبنانية , باعتبارها الطائفة التي بـ “تبعيتها” لآيات الله قد دفعت بالبلاد الى الخراب , كما لو أن مقاومة الاحتلال خطيئة مميتة , وكان يفترض بالأقدام الهمجية أن تبقى في الجنوب , وحيث الممارسات فاقت , بوحشيتها , الممارسات النازية .
رأي وزير خارجية سابق في بلاده “لو كنا مكان اللبنانيين , ونتابع ما يفعله بنيامين نتنياهو , وما يريده من بلدهم , لتسلحنا حتى أسناننا , لا أن يحاصروا سلاح المقاومة الذي يفترض أن يكون سلاح الجميع لا سلاح فئة دون أخرى” لكنه صراع الطوائف الذي لم , ولن , يتوقف , أبداً , حتى اذا ما خرجت الطائفة الشيعية من المعادلة , ومن الدولة , لا بد أن يأتي دور طائفة , أو طوائف , أخرى .
في هذه الحال , هل تكفي المقاربات النظرية للدكتور سمير جعجع لمعالجة مشكلة (بل مشكلات) السلاح . على سبيل المثال هو يعتبر أن على الجيش اللبناني أن ينتزع سلاح المخيمات بالقوة اذا ما جوبه بالمعارضة , وأن هناك حكومات عربية جاهزة لمد يد العون الى الجيش , بالمال والعتاد , لاكمال مهمته , وهو الذي يعلم , حتماً , أن هناك حكومات عربية تقف وراء احتفاظ الفصائل بالسلاح كضمانة لطائفة في مواجهة قوة أخرى . هنا لا تسليم للسلاح الفلسطيني قبل تسليم السلاح “الايراني” , وهي المعادلة التي تشكل جزءًا من ذلك السيناريو الأسود الذي تم اعداده للبنان , بتواطؤ مع الدولة العبرية , وموافقة أميركية .
تريدون اختزالاً بانورامياً للمشهد . انذار سعودي للبنان على صفحات جريدة “عكاظ” , المعروفة بقربها من قصر اليمامة “ان لبنان اليوم أمام “النداءالأخير” (الانذار الأخير) , اما الاستجابة لمطالب المجتمع الدولي , والعربي , واتخاذ قرارات جريئة تضمن حصرية السلاح بيد الدولة , وتنفيذ الاصلاحات , أو مواجهة عزلة وانهيار قد يكون الأخطر في تاريخه الحديث” , لتضيف “الكرة الآن في ملعب الدولة اللبنانية , والوقت يضيق أمام اتخاذ القرار المصيري” .
لا شك أن السعوديين يدركو ن مدى الهشاشة في الوضع اللبناني , وكيف وجد ذلك السلاح في ظروف تزداد هولاً يوماً بعد يوم . المثال على أرض غزة , وحيث الجنون الاسرائيلي , الجنون الايديولوجي , والاستراتيجي , في ذروته . وكنا نتمنى أن يحصل تواصل ما بين الرياض والضاحية , بعدما بلغ الضغط على الحزب , سواءً كان داخلياً أم خارجياً , حدوده القصوى . وها أن أوساطاً ديبلوماسية , أو اعلامية , أميركية لا تستبعد أن يتواصل الأميركيون مع الحزب , مثلما تواصلوا مع “الفيتكونغ” في فيتنام و”طالبان” في أفغانستان , وحتى حركة “حماس” في غزة .
تلك الضغوط هي التي جعلت “حزب الله” يتوجس مما يجري في الظل , حتى أن وزارة الخارجية الأميركية أصدرت بياناً اعتبرت فيه أن الحزب “لا يزال منظمة خطيرة عازمة على الحفاظ على وجودها في الخارج” , مع أنها تعلم تماماً الوضع الحالي للحزب وكذلك التداعيات التي أحدثتها الغارات الأميركية على ايران .
معلومات موثوقة تؤكد أن عاصمة عربية اتصلت بالرئيس السوري أحمد الشرع لمعرفة ما اذا كان جاهزاً لارسال آلاف المقاتلين من الأيغور , والأوزبك , والشيشان , الى لبنان , ليطالعنا بتصريح يهدد فيه لبنان بتصعيد ديبلوماسي واقتصادي (وهذا أول الغيث) بدعوى تجاهل السلطات اللبنانية ملف الموقوفين السوريين , وهي الحجة التي قالت لنا جهة سياسية أنها حجة باهتة , وتخفي وراءها ما تخفيه .
ما رأي الطائفة الشيعية في كل ما يحدث ؟ قيل لنا “لقد تابعنا ما حدث للعلويين , من قتل الأطفال أمام عيون آمهاتهم , ومن اختطاف النساء الذي لا يزال جارياً حتى الآن , وكيف يتم التعامل معهم كفئة منبوذة . وهذا ما يعكس القراءة التوراتية للقرآن حيث ينبغي قطع رؤوس أبناء “الملة الضالة” بالسواطير” .تصميم على المواجهة حتى نقطة الدم الأخيرة , وحتى حفنة التراب الأخيرة .
انذار سعودي أخير وخطير , وعلى الرئيس جوزف عون أن يدرك أن عهده سيواجه بما هو أشد هولاً بكثير لما واجهه عهد الرئيس ميشال عون . لحظة الاختبار الصعب , بل والمستحيل . كيف التعامل مع الانذار ؟ الأيام المقبلة ملبدة بغيوم كثيرة …