مقالات

هدوء نسبي يخيّم على المشهد السوري

د.صلاح قيراطة: باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

“في ظل هدوء نسبي خيّم على المشهد السوري خلال الفترة الماضية، أعاد تنظيم الدولة الإسلامية – أو ما يُعرف إعلامياً بداعش – حضوره، ولكن هذه المرة من بوابة الإعلام، لا الميدان. تسجيل مصوّر بثّه التنظيم يوم أمس، احتوى على رسائل مُشفّرة وأخرى مباشرة، كان من اللافت فيها استهدافه لقناة الحكومة الانتقالية للجمهورية العربية السورية برئاسة السيد أحمد الشرع، ولم يُغفل أيضاً تمرير رسائل تجاه إعلام قوات سوريا الديمقراطية، المعروفة اختصاراً بـ(قسد).

فما الذي يعنيه هذا الظهور؟ ومن يقف خلفه فعلاً؟

الخبراء في علم التحقيقات الجنائية يقولون دائماً: لا تبدأ بحثك عن القاتل من مسرح الجريمة فقط، بل من سؤال بسيط… من المستفيد؟
لكن هذا لا يكفي، فليس كل مستفيد فاعلاً، أحياناً يكون المجرم قد صمّم جريمته ببراعة ليوجه أصابع الاتهام إلى طرف آخر.

في ضوء ذلك، نطرح احتمالاً منطقياً:
هل تكون (قسد) – الحليف المحلي للولايات المتحدة في شمال شرق سوريا – هي من سهّل أو ساهم في خروج هذا التسجيل؟

أسباب هذا الاحتمال ليست بلا أساس:

فـ(قسد) تعتمد في بقائها إلى حد كبير على الدعم الأمريكي،

وهذا الدعم قائم – أو كان كذلك – على دورها في محاربة داعش.

ومع انحسار خطر داعش، بدأ الحديث في واشنطن عن الانسحاب،

لذلك، فإن إعادة التنظيم إلى الواجهة، إعلامياً أو أمنياً، قد تُشكّل ورقة ضغط لإبقاء القوات الأمريكية في أماكنها، وضمان استمرار العلاقة والدعم.

لكن في الجانب الآخر، هناك طرف بارع في اللعب خلف الستار… إيران.
إيران التي لا يخفى على أحد حضورها القوي في المعادلة السورية، لديها مصلحة كبيرة في خلط الأوراق مجدداً، لا سيما إن كان ذلك يُربك واشنطن ويُؤخر انسحابها، ويزيد من تعقيد المشهد شمال شرق سوريا.

وبين هذا وذاك، تبقى داعش – كما يعرف الجميع – بندقية للإيجار.
لم تكن يوماً تنظيماً مستقلاً بذاته في كامل تحركاته، بل كانت في معظم محطاتها أداة بيد من يملك المال، ويوفر الغطاء، ويُحدد الهدف.

ختاماً، نحن لا نقف هنا أمام تسجيل روتيني لتنظيم متطرف، بل أمام رسالة واضحة… رسالة يجب أن تُقرأ في سياق اللحظة السياسية، والصراع على النفوذ، وإعادة رسم الخرائط في الشمال السوري.

السؤال لم يعد: هل عاد داعش؟
بل: من استدعاه إلى الواجهة؟
ومن أراد أن يُسمعنا صوته في هذا التوقيت بالذات؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى