أردوغان يرقص عارياً فوق جثث الأطفال … الدور القذر للاستخبارات التركية في سوريا

طاهر سعود كاتب وباحث
بمشاركة الأمريكيين والإسرائيليين، أسقط البريطانيون نظام الأسد في سوريا. وسلّموا الأخيرة للأتراك. الذين فرضوا احتلالهم لها، بواسطة فصائل (إسلامية) تكفيرية، مدرجة على قوائم الإرهاب الدولية. كان وزير خارجية النظام التركي، هاكان فيدان، قد استقدم مقاتليها الإرهابيين من دولة مختلفة حول العالم. وأشرف على تنظيمهم وتدريبهم؛ حينما كان فيدان يشغل منصب مدير الاستخبارات التركية، في الفترة مابين 2010 و 2023.
إن الغرب، قد حقق للأتراك حلمهم باحتلال سوريا. التي تحوّلت اليوم إلى ولاية تركية سلفية، وقاعدة للتوسع التركي الجهادي في المنطقة. حيث كلّف رئيس النظام التركي، رجب طيب أردوغان ، وزير خارجيته، هاكان فيدان، بمهمة حكم سوريا، من خلال جهاز الاستخبارات التركي، وبواجهة من الفصائل الاسلاموية التكفيرية، التي كان فيدان قد صنّعها بنفسه.
بلد يدار من فندق
سوريا، لا تحكم اليوم من قصر الرئاسة في دمشق، كما يفترض. وإنما من داخل فندق الفورسيزن، وسط العاصمة السورية. حيث المقر الرئيسي لمحطتي الاستخبارات التركية والقطرية، العاملتين في سوريا. ومن الفندق المذكور يسيّر الأتراك أمور (الدولة) السورية، نيابة عن أهلها.
وكان الأتراك، بالتنسيق مع البريطانيين والأمريكان، قد شكّلوا سلطة الأمر الواقع في دمشق، من فصائل جهادية، متعددة الجنسيات. أبرزها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة). ونصّبوا أميرها، الشيخ أبو محمد الجولاني، رئيساً مؤقتاً على البلاد. مع أنه مصنّف، والفصيل الذي يقوده، على قوائم الإرهاب، بقرار أممي. واختاروا لهذا الفصيل الجهادي، الذي وضع على رأس السلطة في سوريا، لعب دور الأقل ممارسة للعنف، عن باقي التنظيمات الأخرى، التي أتسم سلوكها بالوحشية، والدموية المفرطة؛ كي يحظى تنظيم هيئة تحرير الشام، من خلال ذلك، بالقبول لدى السوريين. فخلع قادته لباسهم الجهادي، وارتدوا اللباس المدني الرسمي، وقدموا أنفسهم للعالم؛ باعتبارهم رجال دولة. لكنهم في الحقيقة، لم يظهروا عملياً ما يشير إلى تخليهم عن عقيدتهم الجهادية.
تجنيد العلويين بالضغط والابتزاز
فور دخول فصائلهم التكفيرية، المتعددة الجنسيات، إلى دمشق. وسيطرتهم على قصر الرئاسة، ومؤسسات الدولة الرسمية فيها. سارع الأتراك للاستيلاء على أرشيف الاستخبارات السورية. ونقل كامل محتوياته إلى تركيا. ومن خلاله، اطلعوا على الكثير من أسرار نظام الأسد الحساسة. وعبر ملفات العملاء السرّيين فيه، أمسكوا بخناق مئات المخبرين العلويين. ممن ارتكبوا جرائم، جرى توثيقها في سجلاتهم لدى أجهزة استخبارات النظام المخلوع. وتمّ ابتزازهم بها لاحقاً، من قبل الاستخبارات التركية. بهدف إجبارهم على العمل لصالحها، كجواسيس ضد أبناء طائفتهم.
وبالفعل جند الأتراك أعداداً غير قليلة من العلويين الفاسدين. بينهم مسؤولين سابقين، ومجرمي حرب، وتجار مخدرات، وأعضاء في شبكات الاتجار بالبشر، ورجال أعمال واجهة. بالإضافة إلى رؤساء بلديات، ومخاتير.. ممن كانوا رموزاً للإجرام والفساد في عهد النظام السابق. جرت معهم تسويات. منحوا خلالها (العفو) عن جرائمهم؛ لقاء تعاونهم مع الاستخبارات التركية.
والآن، يعتمد الأتراك على أولئك العملاء العلويين (الشبيحة)، بمحاولات ترسيخ سلطة الأمر الواقع في إقليم الساحل العلوي.
سلطة الشيوخ
تتخذ الاستخبارات التركية من مدينة إدلب في سوريا، مركزاً رئيسياً لنشاطاتها داخل أراضي هذا البلد. منذ أن كانت المدينة وريفها، مقراً لإمارة الجولاني السلفية الجهادية. المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي. وتعتمد استخبارات نظام أردوغان في إدارة شبكاتها، العاملة الآن في سوريا، على مجموعات من المجرمين الإرهابيين، والرعاع الغوغاء، من أبناء تلك المنطقة، وريفي حماه وحلب. تطلق عليهم لقب (الشيوخ). وهم اليوم أصحاب الكلمة العليا في سوريا. يتواجدون في كافة إدارات، ومفاصل سلطة الأمر الواقع. ويفرضون على أمراء الفصائل الجهادية، ما يجب عليهم فعلة؛ بحسب الأوامر التركية. وبواسطة أولئك الأمنيين (الشيوخ) يتحكم الأتراك اليوم بكل شيء داخل سوريا.
أطماع أردوغان في المنطقة العربية
دخول فصائله التكفيرية قصر الرئاسة بدمشق، قد أيقظ لدى رئيس النظام التركي، حلمه الكبير؛ بإعادة إحياء إمبراطورية أجداده العثمانية. التي كانت، في يوم من الأيام، تمتد رقعتها فوق مساحات شاسعة من قارات ثلاث. وكانت تمثل، في وقتها، رمزاً للعنف، والعدوان، والقهر، واضطهاد الشعوب التي لا تدين بالإسلام السنّي.
وبفرض سيطرته على سوريا، أقنع أردوغان نفسه، بأن الطريق بات الآن ممهداً أمامه؛ لتأسيس عثمانية جديدة في المنطقة. تكون فيها دمشق، قاعدة انطلاق للتمدد التركي في البلدان العربية. التي جند من مواطنيها ما يكفي من سلفيين جهاديين؛ لإشاعة الفوضى فيها، وإسقاط أنظمتها الهشة، وإرجاعها ثانية إلى عصر الولايات العثمانية. سلاحه في تحقيق مشروعة التوسعي هذا؛ آلافاً من المقاتلين الإرهابيين، من لبنان، والأردن، والسعودية، والكويت، ومصر، وليبيا، وتونس، والجزائر.. مدعومين بالمرتزقة الأجانب؛ التركستان، والشيشان، والأوزبك، والأفغان.. الذين يشكلون اليوم جزءاً أساسياً من جيش سلطة الأمر الواقع، الذي أنشأته الاستخبارات التركية في سوريا.
وكانت استخبارات أردوغان، قد شكّلت خلايا سرّية لها في سوريا، من مقاتلين أجانب، وعرب، وسوريين. ودرّبت مجموعات عشائرية سنّية محلية، على أعمال القتل والتخريب. تستخدمها الآن في سوريا بعمليات خطف وقتل المدنيين، وحرق المنازل والمحلات التجارية بعد سرقة محتوياتها، وسبي النساء العلويات، واستعبادهن جنسياً. وتنفيذ المجازر الجماعية بحق الأقليات العلوية، والدرزية، والمسيحية..
أردوغان، يستنسخ في سوريا اليوم جرائم أجداده بالأمس
إن ما يرتكبه أردوغان الآن في سوريا من فظائع، ومجازر جماعية، بحق طوائف الأقليات؛ إنما هو في الحقيقة، يأتي استكمالاً لنهج أجداده الحكام العثمانيين. الذين مارسوا سياسة التطهير العرقي، والإبادات الجماعية، والتهجير القسري الواسع النطاق.. ضد أبناء الأقليات في الدولة العثمانية. فمن بين سلسلة جرائمهم الشنيعة بحق المسيحيين، والمسلمين غير السنّة. كانت مجزرة التل، التي وقعت في مدينة حلب عام 1516. وفيها استباح الجيش العثماني دماء العلويين، بذريعة أنهم (كفار). وقتل منهم ذبحاً حوالي 90 ألف مدني، وحرق جثثهم. بينهم أطفال، ونساء، وعجائز. وفي عام 1915، ارتكبت الحكومة العثمانية مذبحة فظيعة بحق المسيحيين الأرمن، راح ضحيتها مليون ونصف المليون مدني. وهجر الباقون، ليلقي الآلاف منهم حتفه جوعاً وعطشاً في صحراء سوريا والعراق. وفي العام نفسه، وقعت مجازر سيفو، التي قتل فيها نحو 500 ألف مدني من المسيحيين السريان الآشور الكلدان، على أيدي ميليشيات السلطة العثمانية. ثم كانت المذابح الجماعية، التي نفذتها الحكومة العثمانية بحق المسيحيين اليونان في الأناضول، خلال الفترة ما بين 1914 و 1922. سقط فيها ما يقرب من 750 ألف مدني. ومن لم يقتل منهم تمّ تهجيره قسرياً..
تاريخ أسود، حافل بالدم، والعنصرية، والأحقاد، والاضطهاد الديني؛ هو ما يميز الحقبة العثمانية. التي يسعى حاكم تركيا الحالي إلى تكراره ثانية في سوريا، ضد غير المسلمين، والمسلمين من غير السنّة. لقد حوّل أردوغان تركيا الآن إلى دولة راعية للإرهاب الدولي. وجعل من سوريا المحتلة قاعدة لذلك الإرهاب. الذي بات اليوم، يتهدد أمن واستقرار دول الإقليم.