تقسيم سوريا.. المنظمة السريّة تقرر والجهاديون ينفذون

طاهر سعود كاتب وصحفي
ما حصل في سوريا، من إنهاء حكم عائلة الأسد، الذي استمر لأكثر من نصف قرن. واستبداله بـ (هيئة تحرير الشام)، المصنفة عالمياً منظمة إرهابية. كان من بين قرارات عديدة، اتخذتها مجموعة بيلدربيرغ في اجتماعها السنوي الأخير. الذي عقد في العاصمة الاسبانية مدريد. في الفترة ما بين أيار (مايو) وحزيران (يونيو) 2024. وشارك فيه قادة سياسيون وعسكريون واقتصاديون، ونخب فكرية وثقافية وعلمية، ومشاهير ومؤثرون. من أوروبا والولايات المتحدة وكندا. بالإضافة إلى جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني (MI6)، ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)؛ باعتبارهما عضوان دائمان في المجموعة. التي تعرف أيضاً باسم (حكومة العالم السرّية). وتعكس نتائج اجتماعاتها، تصورات المحافل الماسونية الكبرى في العالم.
ويتحدد بما يصدر عن اجتماعات مجموعة بيلدربيرغ من قرارات مصير دول وشعوب العالم؛ فمن خلالها، تنشب النزاعات والحروب بين الدول. وتندلع الثورات، وتسقط الحكومات. وترتكب المجازر وأعمال العنف والاغتيالات داخل الدول. وترسم السياسات، وتوضع خطط الاقتصاد للحكومات حول العالم. وتنشط أو تجمّد أعمال المنظمات الحقوقية، وكيانات المجتمع المدني، في مختلف القارات. وتنشر عبر الأقاليم والبلدان الأوبئة والفيروسات. وتفرض على شعوب الأرض عادات ثقافية جديدة، بمعايير (عالمية)، لا تأخذ بعين الاعتبار قيمهم وعاداتهم المحلية. فيحدد للأفراد والجماعات أساليب حياتهم وأنماط عيشهم، عبر إلزامهم بإتّباع سلوكيات متطابقة؛ كارتداء أزياء موحّدة التصاميم في كل موسم، قد لا تتناسب خطوطها وألوانها مع طبيعة أجسامهم، وأذواقهم الخاصة. والأمر كذلك بالنسبة لابتكارات تسريحات الشعر، والماكياج، وإكسسوارات التجميل.. بحيث يتم التدخل بأدق تفاصيل الخصوصيات الشخصية للأفراد. كما تلغى من لغة تخاطبهم اليومي مفردات تقليدية شائعة الاستخدام منذ عقود من الزمن، ويحل مكانها كلمات وعبارات مستحدثة؛ تصبح هي الثوابت المشتركة في لغة الإعلام، والتواصل الاجتماعي، والحوارات الثقافية، واللقاءات الرسمية..
وكما هو معروف، لا يصدر بيانات رسمية بشأن اجتماعات مجموعة بيلدربيرغ. وتبقى قراراتها المتخذة طيّ السرّية والكتمان، لحين البدء بتنفيذها عملياً على الأرض. لكن، في حالات معينة، يسرّب البعض منها عمداً بصورة غير رسمية، عبر وسائل الإعلام الغربية، أو تمرر ضمن تنبؤات العرافين.
وفي الحالة السورية، حصل التغيير المقرر فجأة، وبسرعة غير متوقعة، ومن دون أي مقاومة. طبقاً لخطة؛ تبيّن لاحقاً، أن الاستخبارات البريطانية هي من وضعها، بالتعاون مع الأمريكان والإسرائيليين. واختير طوني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، والعضو الدائم في المجموعة، مديراً تنفيذياً للعملية. التي أعطي فيها للأتراك، مهمة السيطرة على سوريا، وإدارة شؤونها خلال فترة مؤقتة؛ بواسطة فصائل إسلامية جهادية، متمرسة بأعمال القتل والإرهاب. واعتمدت المجموعة كذلك، أسعد الشيباني، أحد مقاتلي هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً ـ من فروع تنظيم القاعدة)، لموقع الحاكم الفعلي في السلطة الجديدة. على أن يستمد الجولاني (حاكم الواجهة) نفوذه من الأول.
وتمّت استضافة الشيباني، للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي (مؤتمر دافوس)، أحد أذرع مجموعة بيلدربيرغ الاقتصادية والسياسية. حيث حاوره طوني بلير شخصياً، في جلسة نقاش علنية. اتفق فيها مسبقاً على الأسئلة التي وجهت للضيف، وصيغت للأخير أجوبته عليها؛ لقاء تفاهم حصل بهذا الخصوص ما بين بلير ومسئولين من حكومة قطر. قيل أن هذا التفاهم تضمن رشوة مالية ضخمة قدمها القطريون للسياسي البريطاني.
ومن تقاليد مجموعة بيلدربيرغ، أن من يتم دعوتهم لحضور اجتماعاتها، من غير أعضائها، أو للمشاركة في أنشطة مؤسساتها؛ كمؤتمر دافوس. هم أشخاص تختارهم المجموعة لاستلام السلطة في بلدانهم، وتبوأ مناصب عليا فيها. وهذا يوضح السبب الحقيقي وراء دعوة أسعد الشيباني، وزير خارجية سلطة الأمر الواقع، دون غيره من السوريين الآخرين، للمشاركة بمؤتمر دافوس. مع أن هذا الشاب الثلاثيني، ما زال يكمل دراسته الجامعية. ولا يمتلك الخبرة ولا الكفاءات، التي تؤهله لشغل الموقع الذي وضع فيه. إذ أن المعيار المعتمد من قبل قادة مجموعة بيلدربيرغ، في اختيار المسئولين لتسلم مناصب قيادية في بلدان الشرق الأوسط، لا يتعلق أبداً بالأهلية والكفاءة؛ وإنما في قابليتهم للانقياد، وتنفيذ الأوامر بسلاسة. دون أن يكون لديهم الوعي الكافي بحقيقة ما يقدمون على فعله.
عندما يصدر قرار عن مجموعة بيلدربيرغ. على قادة العالم، الكبار منهم قبل الصغار، تنفيذه. لا أحد منهم يمتلك الحق في رفضه، أو التمنع عن تطبيقه. هو أمر ملزم للجميع. وفيما يتعلق بقرار تغيير نظام الحكم في سوريا، الذي اتخذته (حكومة العالم السرّية) العام الماضي. كلّف فيه البريطانيون، إسقاط نظام الأسد من داخله؛ بواسطة أجهزة استخبارات هذا النظام. وحيّد الروس عن دعمه. وأعطي للإسرائيليين مهمة تهيئة ميدان العمليات لاستبداله؛ عبر تدمير القوى الداعمة له، والمتمثلة بحزب الله اللبناني، والميليشيات الشيعية، التابعة لإيران. وطلب إلى الأتراك تسيير أرتال مقاتلي الفصائل الإسلامية التكفيريّة من الشمال نحو دمشق. حيث جرى تسليمهم العاصمة دون مقاومة. كل شيء تمّ بطريقة مسرحية، استعراضية، مفضوحة.
وكان من الطبيعي، أن يتسلّم الإئتلاف الوطني السوري مقاليد السلطة في سوريا، خلفاً لنظام الأسد؛ باعتبار أن هذا الكيان السياسي المعارض، هو الوحيد المعترف بشرعيته دولياً. لديه حكومة (منتخبة)، ومؤسسات رسمية، وتمثيل دبلوماسي مع عواصم القرار في الغرب. ويضم في صفوفه نخبة من السياسيين السوريين المحترفين؛ القادرين على إنقاذ سوريا، والنهوض بها من جديد.. لكن الإصرار على نقل السلطة إلى هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، المدرجة على قوائم الإرهاب الدولية. ومعها العديد من الفصائل السلفيّة الإرهابية، المتعددة الجنسيات. لا يبدو أن له غاية غير منع قيام الدولة السورية. وجعل التقسيم فيها أمراً حتمياً.
إذ، كيف يمكن لفصائل إسلامية جهادية، أدمن مقاتلوها العنف وسفك دماء الأبرياء. أن تحكم بلداً علمانياً، متعدد الثقافات والأعراق والأديان والمذاهب؛ وهي التي تكفّر الآخر، وتحلل دم من يخالفها الفكر.. فبدافع أوهام الجنة، شن مقاتلو تلك الفصائل الإرهابية، وكثيرون منهم مرتزقة أجانب؛ حرب إبادة شاملة ضد أبناء طائفة الأقلية العلوية في الساحل السوري. راح ضحيتها عشرات آلاف المدنيين العزّل، من أطفال ونساء وشيوخ الطائفة. وهي متواصلة، دون توقف، منذ أكثر من شهر. مترافقة بعمليات اختطاف للنساء العلويّات، وأخذهن سبايا، واغتصابهن. والتنكيل بوحشية بحق الأهالي المسالمين. وكذلك استحلال أملاكهم، ونهب منازلهم ومحلاتهم التجارية وحرقها.. كل ذلك يجري على الهوية، وتحت شعارات دينية.
تلك الفظائع المرتكبة في الساحل العلوي، من قبل سلطة الأمر الواقع؛ قد أكدت قناعة لدى طوائف الأقليات الأخرى في سوريا، وبخاصة المسيحيين والدروز منهم.. بأنهم سيكونون هم الضحية التالية بعد العلويين. وهو ما فرض واقعاً جديداً في البلاد؛ جعل من إمكانية إعادة توحيدها ثانية، أمراً شبه مستحيل.