غير مصنف

واشنطن وتحوّلات أوروبا المفاجئة ضد إسرائيل

محمد اليمني كاتب ومحلل سياسي

أقرّ أحد كبار دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي في جلسة خاصة قبل أشهر بمبالغة قادة أوروبا في إظهار الدعم المطلق لإسرائيل عقب عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023. قال إن سلوك قادة أوروبا كان إنفعاليا وليس سياسيا متأثرا باستثنائية وقوة الحدث لكنه يخالف تقاليد الاتحاد في مقاربة المسألة الفلسطينية. لكنه أسرّ أن المزاج في أوروبا قد تغيّر، لكن التعبير عنه وإطلاق مفاعيل جديدة له لا يمكن أن يتمّ من دون أن يتغير الموقف الأميركي.
وفق ذلك المعطى فإن المراقب يلاحظ أن ما صدر عن بريطانيا والاتحاد الأوروبي من مواقف جديدة مفاجئة شاجبة لحرب إسرائيل في غزّة، جاء منسّقا في توقيت واحد نابع عن قرار حازم لا يمكن إلا أن يكون بتشجيع من إدارة دونالد ترامب في واشنطن وبالتنسيق الكامل معها. صحيح أنه لم يصدر رسميا في واشنطن لهجة حازمة ضد إسرائيل كتلك التي استخدمتها بريطانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي وكندا، غير أن ما صدر يشي أيضا بأن واشنطن تبعث من خلال حلفائها برسائل تحذير وتهديد قد تكون مقدمة لموقف أميركي كانت صحافة الولايات المتحدة قد سرّبت بعض علاماته.
في الأيام الأخيرة اعتبر ستيف ويتكوف، المبعوث الأميركي إلى الشرق، وهو بالمناسبة صديق شخصي للرئيس ترامب، أن بالإمكان وقف الحرب في غزّة لكن إسرائيل لا تعمل على ذلك. كانت تقارير قد راجت في الإعلام الأميركي تحدثت عن غضب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعن أن من أعراض هذا الغضب إقالة ترامب لمستشار الأمن القومي مايكل والتز الذي قيل إنه ذهب بعيدا في العلاقة مع نتنياهو بما يتجاوز المسموح.
سرّبت أيضا الأدارة الأميركية إلى الصحافة ما يشبه التلويح بوقف دعم إسرائيل والتخلي عنها إذا لم تستجب لمطالب واشنطن بوقف الحرب في غزّة وإدخال المساعدات. وقد ظهر جدل في أروقة القرار في واشنطن بشأن إدارة الخلاف مع إسرائيل بحيث يتركّز على شخص نتنياهو بالذات من دون المسّ بتقاليد الدعم والتأييد الذي تتسمّ به سياسة الولايات المتحدة التقليدية مع إسرائيل.
أظهرت المواقف الأوروبية ذلك بشكل نافر. تحدث وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أمام مجلس العموم البريطاني عن سلوك “حكومة نتنياهو”، بصفتها مسؤولة عن تشوية صورة إسرائيل في العالم. تّكررَ استخدام تعبير “حكومة نتنياهو” في سلسلة من المواقف والتصريحات البيانات التي يُراد منها الإشارة إلى أن تغيّرا حصل في الموقف وأن المشكلة باتت في شخص نتنياهو بالذات. وبدا أن هذه المواقف الصادرة عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسا الوزراء البريطاني كير ستارمر والكندي مارك كارني هي امتداد معلن عالي النبرة لتطوّر الموقف الأميركي وما يعبّر عنه مواربة في تسريبات الإدارة لإعلام أميركا.
بالنسبة لأهل غزّة لا ترقى المواقف الأوروبية للمستوى المطلوب لردع الكارثة التي حلّت بالقطاع. علّقت بريطانيا المفاوضات التجارة مع إسرائيل وفرضت عقوبات على بعض الأفراد والكيانات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وهدد قادة فرنسا وكندا وبريطانيا باتخاذ “إجراءات ملموسة” إذا لم توقف حكومة نتنياهو هجومها العسكري الجديد وترفع قيودها على دخول المساعدات الإنسانية بصورة كبيرة. وأعلن الاتحاد الأوروبي خضوع الاتفاقية التجارية مع إسرائيل للمراجعة.
ما ليس كافيا للفلسطينيين تعتبره إسرائيل تحوّلا غير مسبوق يحمل في طياته نذير انتهاء فترة السماح التي تمتعت بها إسرائيل منذ عملية “طوفان الأقصى”. ولا يقلق نتنياهو مما صدر عن كندا وبلدان أوروبية إلا بما يمكن لها أن تستبطنه من تحوّل في مزاح الإدارة الأميركية. ولئن يصبّ نتنياهو جام غضبه على مواقف وإجراءات يعتبرها هدية لحركة حماس، فإنه يدعو تلك الدول إلى استنساخ مواقف ترامب وتوجهاته مدّعيا بذلك جهله الكامل بأي ضغوط تمارسها واشنطن ومبعوثيها عليه لإنهاء الحرب.
بدا في الساعات الأخيرة أن نتنياهو يرد بالنار على غزّة. يشتري الوقت الذي كسب جولاته في كل مرة لاحت ضغوط من هذا النوع منذ بداية الحرب. يعوّل على أنصار إسرائيل في أوروبا والولايات المتحدة لإعادة ضبط عقارب ساعة ما يظهر من تحوّلات. ويسعى إلى تحقيق إنجاز نوعي ميداني في القطاع من خلال عمليات اختراق تبرّر له أمام ترامب حاجته لاستمرار هذه المقتلة.
لتحوّلات أوروبا توقيت لافت وقد تؤسس لتراكمات أخرى تعيد تموضع المنظومة الغربية داخل هذا الصراع. سمع ترامب في القمة التي جمعته مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض تأكيدا مركّزا ومكررا على لسان ممثلي الدول الست على أن طريق السلم يكمن في حلً الدولتين. ولئن لم يصدر عن ترامب موقف كان مأمولا في جولته الخليجية بهذا الاتجاه. لكن رجل أميركا القوي اصغى إلى مزاج المنطقة بانتباه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى